منـتـدى رنـيـن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منـتـدى رنـيـن

منتدى رنيـــن يـرحــب بــآلــزوآرٍ
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 على سبيل التذكير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
RoMeL
المدير العام
المدير العام
RoMeL


عدد المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 08/10/2009
العمر : 34

على سبيل التذكير Empty
مُساهمةموضوع: على سبيل التذكير   على سبيل التذكير Icon_minitimeالجمعة أكتوبر 09, 2009 3:03 pm

رشيد نيني

على سبيل التذكير

لا يكاد يمر أسبوع أو شهر دون أن يكتب حولي أحدهم مقالا أو «بورتريها» يرسم مساري المهني والدراسي ويحشر أنفه مفتشا في ثنايا حياتي العائلية «بالفتيلة والقنديل». إحداهن كتبت الأسبوع الماضي في مجلة «لوبسيرفاتور» أنني أنحدر من صلب أب سكير، دون احترام لذكرى هذا الأب، الذي يرقد في قبره منذ سنوات بعيدة، ولا لعائلته. و«الصحافية» معذورة في المقال التي ارتكبته، فقد نقلت حرفيا كلاما سبق لبنشمسي أن كتبه حولي في «تيل كيل» عندما خصص لي أحد أغلفة مجلته بخصوص والدي رحمه الله.
وبسبب كل ما يكتبه بعض الزملاء حولي أكاد أتوصل برسائل يومية من قراء يطالبونني بالرد على كل ما ينشر حولي في الصحافة والمنتديات والمواقع الإلكترونية المشبوهة، فأجيبهم جوابا واحدا هو أنني لست معنيا بكل ما ينشره حولي بعض هؤلاء الزملاء، لأنني ببساطة لا أكتب لهم، ولا يهمني رأيهم في ما أكتبه. ولذلك، فكثيرون أيضا يسألون حائرين: لمن أكتب إذن؟
لذلك فمن المفيد التذكير بملامح وأنواع المواطنين الذين أتوجه إليهم كل صباح بكتاباتي، والتذكير أيضا بملامح الذين لا أتوجه إليهم ولا يهمني ما إذا كانوا يقرؤون ما أكتبه كل صباح أو يمسحون به زجاج نوافذهم:
الذين ينامون بلا مشاكل ولا يحتاجون وساطة الحبوب المنومة وملاعق المحاليل الصيدلية؛ الذين لا يحلمون بالكوابيس ولا توقظهم ساعة المنبه إلا بمشقة بالغة؛ الذين لا تهتز شعرة واحدة في رؤوسهم كلما اهتز مكان ما من العالم؛ الذين يبتسمون كلما شاهدوا نشرة أخبار فيها الكثير من الجثث والجرحى؛ الذين لا يمارسون أي نوع من أنواع الرياضة، ومع ذلك تجد أعصابهم فولاذية كأعصاب المصارعين اليونانيين؛ الذين يعتنون بأسنانهم جيدا كل صباح، لأنهم يحتاجونها كاملة وناصعة في كل ابتسامة صفراء مرفقة بمجاملة كاذبة؛ الذين يملكون لكل كتاب النظارة المناسبة ولكل لقاء جماهيري ربطة العنق الملائمة والابتسامة الملائمة والتدخل غير الملائم تماما؛ الذين يقدمون التعازي دائما لأنهم لا يموتون أبدا، والذين يواظبون دائما على حضور حفلات التأبين لأنهم يتلذذون بتعداد مناقب الموتى، لأن هذا يطمئنهم بأن الشرور هي من نصيبهم ولا يزاحمهم عليها أحد؛ الذين يملكون أكثر من موقف في قضية واحدة. الذين من فرط تغييرهم لمعاطفهم أصبح لديهم دولاب كبير من المعاطف، والذين من فرط تغييرهم لجلودهم انتهوا عراة بالكامل؛ الذين يجلسون دائما في الصفوف الأمامية والذين تلتقطهم عدسات المصورين دائما آخذين في التفكير مثل تماثيل الحكماء في مجلدات الأنسكلوبيديا اليونانية؛ الذين يعطون التصريحات في كل مناسبة بأثمان معقولة ويشرحون الأمور دائما بسبابات مرفوعة في الهواء وحواجب مقوسة كحواجب زعيم الحزب الكردستاني عبد الله أوجلان؛ الذين يبرمجون دائما مواعيدهم نكاية بأوقات الآخرين ويبنون شهرتهم على أنقاض المتواضعين الذين اختاروا فضيلة الصم؛ الذين يملكون ما يكفيهم لكي يعيشوا حتى آخر يوم قذر من أعمارهم الطويلة، ومع ذلك يبحثون لكي ينغصوا على الآخرين عيشتهم النظيفة والقصيرة؛ الذين يتجولون بين كل التيارات بأفكار متخمة وقناعات مصطنعة؛ الذين لا يملكون غير حقارتهم يدافعون عنها في كل مناسبة، ولا يضيعون في دفاعهم المستميت هذا غير القليل من وضاعتهم؛ الذين ليست لهم مياه في وجوههم يدافعون عنها وليست لهم ذمم يحرصون على طهارتها؛ الذين لا يتعهدون أي نباتات في شرفات بيوتهم ولا يربون أي حيوان أليف في بيوتهم، لأن أزهار الشر التي تنمو في دواخلهم والحيوانات الضارية التي تتزاحم داخل أقفاصهم الصدرية تأخذ منهم كل وقتهم الثمين؛ الذين لا يذهبون إلى البحر مخافة أن تبتل مواقفهم الوسخة؛ الذين لم يكملوا تعليمهم إلى المستوى الذي يجعلهم قادرين على تركيب كلمة «وطن»، والذين بسبب ذلك بعثروا الحروف بلا رحمة فأصبح الوطن بسببهم عسيرا على النطق والعيش؛ الذين يدافعون عن قضايا المرأة برجولة نادرة في الخارج وينددون بأعداء الأمة في الداخل بصوت خفيض وبنبرات أنثوية للغاية؛ الذين لا يعلقون المرايا داخل بيوتهم مخافة أن تلتقي نظراتهم بوجوههم المخيفة فتفزعهم؛ الذين لم يحاربوا عدوا في حياتهم ولم يحرروا وطنا ولم يشاهدوا سلاحا طوال عمرهم غير بنادق الصيد المعلقة على حيطان قصورهم الفسيحة، ومع ذلك يمرون في الاحتفالات الوطنية بالنياشين والأوسمة، ويستطيعون أن يحكوا عن الحرب أكثر مما يستطيع المقاومون الحقيقيون أن يفعلوا، أولئك المقاومون الذين ماتوا دون أن يغيروا نوع تبغهم ولا موجتهم الإذاعية ولا ماركة شايهم الرخص؛ الذين لا حول لهم ولا قوة كلما تعلق الأمر بمصير الشعب في الشوارع والساحات، والذين يتحولون إلى وحوش كاسرة في القاعات المكيفة وأمام ميكروفونات الجرائد المأجورة؛ الذين ما إن تحتك بأحدهم في الشارع حتى يستعرض أمامك لائحة طويلة بأسماء معارفه في الوزارات والدواوين؛ الذين يسكنون داخل المغرب عوض أن يسكن المغرب داخلهم.
هؤلاء لا أكتب لهم ولا يهمني سماع رأيهم في ما أكتبه كل صباح.
أكتب للذين لا ينامون إلا بعد أن يمر شريط طويل بأحداث يومهم أمام أعينهم، شريط بطيء وقاس يمر أمامهم فيصيبهم بالأرق ولا يركبون سفينة النوم إلا بعد أن يكونوا قد فاوضوا طويلا كوابيسهم المخيفة؛ أكتب للذين ينامون بلا حراك وبصوت مطبق، بحيث لا تستطيع أن تميز بينهم وبين الجثث في مستودعات الموتى، رغم أن أعماقهم يقظة أبدا؛ أكتب للذين تفزعهم ضربات قلوبهم كلما اضطجعوا على الجانب الأيسر، والذين يستفيقون قبل ضربات المنبه بساعات؛ أكتب للذين كلما نشبت حرب ما في مكان ما من العالم أحسوا بالذنب بسبب أيديهم المسدلة مثل أيدي الجبناء؛ أكتب للذين يكرهون ابتسامات المذيعات البلهاء وهن يحصين أعداد القتلى والجرحى في انتفاضة ما من هذا الوطن العربي الجريح؛ أكتب للذين يمارسون رياضة الركض وراء الأوهام بلا توقف؛ أكتب للذين أعصابهم متلفة دائما مثل لعب الأطفال وأسنانهم في تساقط مستمر؛ أكتب للذين يملكون نظارة طبية واحدة تصلح لقراءة كل الكتب وتصلح لرؤية كل المواقع؛ أكتب للذين أعمارهم قصيرة مثل جبل الكذب ومواقفهم راسخة مثل الوشم على أقدام الريفيات؛ أكتب للذين يملكون معطفا واحدا يستعملونه في كل الفصول وربطة عنق واحدة تذكرهم دائما بحبل المشنقة؛ أكتب للذين خلقوا بجلد واحد لم يغيره شيء سوى شمس غشت على شواطئ البحر؛ أكتب للذين يجلسون في الصفوف الخلفية دائما بحيث تعفيهم آلات التصوير والكاميرات من أضوائها الكاشفة، وفي المساء يعودون إلى بيوتهم بأيديهم في جيوبهم رفقة ظلالهم فقط؛ أكتب للذين لم يقدموا أبدا تصريحا حول قضية ولم يرفعوا سبابتهم يوما لطلب شيء سوى أمام زحام المحلات التجارية لطلب حليب للأطفال؛ أكتب للذين لا يشيدون شهرتهم على أنقاض أحد ولم يشيدوا في حياتهم شيئا آخر غير قصور الرمال خلال لحظات شرودهم الطويلة؛ أكتب للذين تنظر إليهم فتخيفك الصفرة التي على وجوههم ونحول أجسادهم، والذين إذا تكلموا تركوك بفم مفتوح من الدهشة ومضوا حسيري الرؤوس إلى الظل؛ أكتب للذين يعيشون في وحدة قاسية، ومع ذلك لا يستطيعون الحديث عن الغربة، لأن هناك من يعيش في ألفة دافئة ويستطيع أن يتحدث عن الغربة أحسن منهم بعد أن يستعيروا ألم الآخرين؛ أكتب للذين تحتقرهم موظفات الاستقبال في الفنادق الفخمة، والذين يشكك الباعة في المحلات الراقية في طلباتهم مخافة ألا يكون معهم ما يكفي لتسديد مشترياتهم؛ أكتب للذين لا يحتاجون إلى أوراق هوية تثبت انتماءهم إلى هذا المغرب، لأن عيونهم تفضح عشقهم لوطنهم؛ أكتب للذين تخذلهم عفويتهم أمام أبواب السفارات؛ الذين يخجلون من أنفسهم عندما لا يجدون في جيوبهم ثمن البوربوار فيتركون النقود فوق الطاولة ويغادرون خلسة مخافة أن تلتقي نظراتهم بنظرات النادل الذي يبتسم من فرط تعاسته؛ أكتب للذين يقفون أمام المستشفيات العمومية متأبطين الصور الإشعاعية لصدور آبائهم المخنوقة والملطخة بالألم؛ أكتب للذين لا يملكون ما يسددون به ثمن التحاليل الباهظة، والذين يملكون بالمقابل ما يكفي من دموع تحت الأغطية عندما ينصرف الجميع إلى النوم؛ أكتب للذين يرتبكون عندما يسعلون في مقصورة القطار مخافة أن يكتشف الآخرون أن مكانهم الطبيعي يوجد فوق سرير أبيض في مستشفى الأمراض الصدرية وليس فوق مقعد في مقصورة قطار.
لهؤلاء أكتب، وهم وحدهم من يهمني سماع رأيهم.

رشيد نيني

اللي ما عرفك خسرك

أول سؤال تفضلت إحدى الزميلات الصحافيات «المفرنسات» بطرحه على رضا بنشمسي، خلال الندوة الصحافية التي عقدها في مقر مجلته حول مصادرة العددين الأخيرين من «تيل كيل» و»نيشان»، كان هو: «هل هناك علاقة لما كتبه رشيد نيني حولك بالمنع الذي تعرضت له مجلتاك مؤخرا؟». فكان جواب بنشمسي كالتالي: «رشيد من؟». فأجابته: «رشيد نيني...». فقال لها: «لا أعرف من يكون هذا الرجل. السؤال الموالي من فضلكم». لكن بنشمسي الذي ادعى أنه لا يعرفني، «واللي ما عرفك خسرك» كما يقول المغاربة، سيسترجع ذاكرته بمجرد ما نشرنا أمس في «المساء» تغطية أمينة لما قاله في ندوته الصحافية، خصوصا تلك الجملة الدارجة التي قال فيها: «إذا كنا قلنا إن 91 في المائة من المغاربة يعتبرون حصيلة الملك إيجابية ومع ذلك اعتبروا أن في الأمر عدم احترام للملك، فماذا ينبغي أن نقول باش نحتارمو هاد خاينا». فاتصل أحد أعضاء هيئة تحرير بنشمسي وقال إن هذا الأخير لا يقصد الملك وإنما وزير الداخلية بنموسى، وإنهم سيرسلون إلينا ببيان حقيقة يؤكدون فيه ذلك، وإذا لم ننشره كما هو فإنهم سيتابعوننا أمام القضاء، يعني «بنشمسي يديرها ونيني يمشي فيها». وبما أن ذاكرة السي بنشمسي قصيرة إلى هذا الحد فيمكننا إنعاشها بالعودة إلى الوراء، وبالضبط إلى مثل هذا الوقت بالذات من السنة الماضية، حين كتب افتتاحية يخاطب فيها الملك وعنونها كالتالي «فين غادي بينا خويا»، وكانت هذه الافتتاحية سببا في حجز جميع أعداد مجلتيه وإتلافها، تماما كما حدث الأسبوع الماضي. وحتى لا يضطر بنشمسي إلى الاعتذار من جديد ويكتب افتتاحية يكون عنوانها «الله يبارك فعمر سيدي»، كما صنع السنة الماضية، فإنه لجأ هذه المرة إلى إنكار نعته للملك في ندوته الصحافية بـ»هاد خاينا». ولأن بنشمسي حريص على عائدات الصفحات الإشهارية التي تشكل 50 في المائة تقريبا من مجلته (القانون لا يسمح بأكثر من 25 في المائة)، فإنه بمجرد ما يتم الحجز على مجلتيه يسارع إلى حذف المقال الذي يتسبب له في الحجز ويعيد طبع العدد بدونه حتى لا تضاف خسارة تدمير العدد إلى خسارة المعلنين الذين لن يدفعوا لشركة بنشمسي الإشهارية الموازية التي أسسها لاستخلاص عائدات الإشهار دون المرور عبر الوكالات. وربما يتساءل أحدكم عن سبب إحجام بنشمسي عن مجرد التهديد بالقيام بإضراب عن الطعام احتجاجا على الحجز المتكرر لمجلتيه، كما صنع قبله بوبكر الجامعي عندما منع «المجاهد الأكبر» عبد الرحمان اليوسفي «لوجورنال»، أو علي المرابط الذي دام إضرابه عن الطعام 43 يوما وشارف على الموت، دفاعا عن حقه في التعبير بعد منع مجلتيه ورميه في السجن ومنعه من الكتابة لعشر سنوات. فبنشمسي ليس من طينة هذين الصحافيين، فهو دائما يكتفي بعد الحجز على مجلاته بندوة صحافية باردة يتعهد فيها بحذف المقال «المزعج» الذي تسبب له في «صداع الراس»، وإعادة طبع العدد منقحا ومشذبا بعناية، أي أنه عوض أن يتمسك بما يراه حقه في التعبير ويدافع عن هذا الحق إلى النهاية، يفضل الحل السهل، حرصا على 100 مليون التي ترتعد فرائص بنشمسي خوفا من ضياعها. ورغم كل شيء، فهذا الحادث المؤسف الذي تعرض له بنشمسي بسبب ما رأت فيه الداخلية خرقا للقانون، ساهم في الكشف عن مجموعة من التناقضات على مستوى الحكومتين المغربية والفرنسية، وساهم في إخراج «وليدات فرانسا» المقيمين بيننا في المغرب من مخابئهم. وإليكم التفاصيل: أول تناقض استرعى انتباهي هو ذلك التناقض المفضوح الذي وقع فيه الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة. فالرجل عبر، في بلاغه الحكومي، عن وجهة نظر الداخلية، وكان شديد الصرامة واللهجة وهو ينتقد لجوء بنشمسي إلى القيام باستطلاع رأي حول الملك. لكن المثير للاستغراب هو موقف مولاي إسماعيل العلوي الذي رأى في الحجز عملا غير مقبول. وإذا كان مولاي إسماعيل العلوي قد نسي من يكون خالد الناصري، فإننا نتطوع لكي نذكره بأن الرجل ليس سوى زميله في الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية، الحزب الذي باسمه يوجد الناصري في الحكومة. وهذا المعطى ينتج عنه أمران منطقيان، إما أن يقيل مولاي إسماعيل العلوي رفيقه الناصري من الحزب، أو أن يبادر الناصري إلى الاستقالة من الحزب، ما دام وزير الاتصال وعضو الديوان السياسي للتقدم والاشتراكية قد شارك في اتخاذ قرار سياسي يسير في الاتجاه المعاكس لموقف أمينه العام في الحزب الذي يشارك باسمه في الحكومة. التناقض الثاني والخطير، الذي وقعت فيه الحكومة المغربية بسبب قضية بنشمسي، هو أن وزير الخارجية استدعى السفير الفرنسي بسبب مجرد رسالة بعث بها نائب برلماني من العدالة والتنمية للمطالبة بتدخله من أجل إسعاف مستشار مغربي يحمل الجنسية الفرنسية، في الوقت الذي لم تتحرك شعرة واحدة في رأس الطيب الفاسي الفهري عندما أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا رسميا تنتقد فيه قرار وزارة الداخلية المغربية القاضي بحجز مجلتي بنشمسي. والأخطر، في نظري، ليس هو لجوء برلماني مغربي إلى السفارة الفرنسية طالبا تدخلها لإنقاذ حياة زميله، وإنما لجوء الخارجية الفرنسية إلى التدخل بالنقد في قرار سيادي، قد نتفق أو نختلف بشأنه، اتخذته الحكومة المغربية. عندما أرسل أفتاتي الرسالة إلى السفير الفرنسي اتهمه الجميع بإقحام الأجنبي في الشؤون الداخلية للمغرب، أما عندما أقحم الأجنبي نفسه في شأن حكومي داخلي، ببلاغ رسمي، فإن سعادة وزير الخارجية لم ير في ذلك أي تدخل للأجنبي في السيادة المغربية. والمفروض، حسب الأعراف الدبلوماسية، أن تمتنع الخارجية الفرنسية عن إقحام نفسها في شأن داخلي يخص المغرب، تماما مثلما امتنعت عن انتقاد الحكم على «المساء» بأكبر غرامة في تاريخ الصحافة المغربية والعربية. والمعروف في مثل هذه القضايا التي لها علاقة بحرية التعبير والنشر أن تنتقد «منظمة مراسلون بلا حدود» والجمعيات الحقوقية القرارَ المغربي، أما وزارة الخارجية الفرنسية فهذه ليست مهمتها. وحتى الخارجية الأمريكية عندما تنجز تقارير سنوية حول حرية التعبير في المغرب فإنها تنجزها اعتمادا على تقارير الجمعيات الحقوقية وليس اعتمادا على قراءتها الخاصة. إن أول شيء كان على الطيب الفاسي الفهري أن يسارع إلى القيام به، بعد صدور بلاغ الخارجية الفرنسية، هو استدعاء السفير الفرنسي بالرباط لاستفساره حول أسباب هذا التدخل الفرنسي غير الدبلوماسي في الشؤون الداخلية للمغرب. وحتى موقف الخارجية الفرنسية المنتقد لمنع جريدة «لوموند» يبقى غير مفهوم، فجريدة «لوموند» ليست ناطقة باسم قصر «الإليزيه»، وإنما هي جريدة تصدرها شركة خاصة. وإذا منعت في بلد ما فإن من يتكفل بانتقاد هذا المنع هو منظمات الدفاع عن حرية التعبير وليس الخارجية الفرنسية. وحتى لا يعطينا أحد الدروس في حرية التعبير دعونا نراجع سجل فرنسا، حيث يسجل التاريخ سوابقها في مجال منع ومصادرة وحجز الجرائد والمجلات والكتب. سنة 1991، ومع بداية حرب الخليج الأولى، قرر وزير الداخلية الفرنسي الاشتراكي «بيير جوكس» منع مجلة «الوطن العربي» من الطبع والنشر في فرنسا بسبب خطها التحريري المساند لأفكار صدام حسين. هكذا، منعت فرنسا الاشتراكية على عهد «فرانسوا ميتيران» مجلة عربية من الصدور على أرضها واشترطت، من أجل عودتها إلى الأكشاك، تغيير خطها التحريري وضخ أموال سعودية وكويتية في رأسمالها. وهكذا، غيرت المجلة اتجاه خطها التحريري بضغط فرنسي، وأثر هذا في رئيس تحريرها اللبناني «وليد أبو ظهر» إلى أن مات مؤخرا بسبب المرض. وفي السنة ذاتها، منع وزير الداخلية الفرنسي مجلة «كل العرب» التي كانت تصدر من باريس، للأسباب والدواعي نفسها. وفي 30 نونبر 2004، طالبت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الفرنسية ومجموعة من البرلمانيين مجلس الدولة بمنع التقاط قناة «المنار» اللبنانية في كل التراب الأوربي بتهمة معاداة السامية. وفي 13 دجنبر من السنة نفسها، أصدر مجلس الدولة أمرا بمنع القمر الصناعي «أوتيلسات» من بث قناة «المنار». في مارس من سنة 1987، قرر وزير الداخلية الفرنسي «شارل باسكوا» منع دخول الجريدة الجزائرية «البديل» والتي كان يصدرها معارضون جزائريون لاجئون في أوربا. وسبب المنع كان هو أن ما تنشره هذه الجريدة يمكن أن تكون له عواقب سيئة على العلاقات بين باريس والجزائر؛ أو بعبارة أخرى، تم منع دخول الجريدة استجابة لما يسمى «Raisons d Etat» أو»منطق الدولة». سنة 1997، حجز وزير الداخلية الفرنسي «جان بيير شوفينمان» كتابا علميا من رفوف المكتبات عنوانه «مذبحة «أورادور»: نصف قرن من التمثيل»، والتهمة كانت هي التشكيك في المحرقة النازية. ولو أردنا أن نحصي سوابق الدولة الفرنسية مع حجز الصحف والمجلات والكتب التي لا تتماشى ومصالحها العليا لاحتجنا إلى أكثر من عمود؛ لكننا نكتفي بهذا القدر، لعل الذين يعتقدون أن قدرنا كمغاربة هو أن نستمر في تلقي الدروس من الخارج ونجلس، مثل تلاميذ كسالى، بانتظار شهادات حسن السيرة والسلوك من «تيكوا» و»سيمبريرو» وأشباههما من الصحافيين الذين يكتبون عن المغرب من باريس ومدريد. زمن الحجر والوصاية يجب أن ينتهي يا سادة، وآن الأوان لكي يصنع المغاربة حاضرهم ومستقبلهم بأيديهم.
[center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
على سبيل التذكير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عشقت عابر سبيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منـتـدى رنـيـن :: الفئة الأولى :: منتــدى رنيــن العـــآم :: النقــــــــــــــــآش العــــآم والجـــآد-
انتقل الى: